الأربعاء، 1 يونيو 2011

صراع الهوية بين الكنيسة و الدولة


محمود سلطان - المصريون
صحيح أنه على الأغلبية المسلمة في مصر "احتواء" الأقلية المسيحية، إلا أن هناك فارقًا بين "الاحتواء" و"التنازل"، وبين مواقيت "التدليل" و"التشديد"، فهذه واحدة من تجليات وعي الدولة بواجباتها وطريقة إداراتها لأزماتها الداخلية.
أعلم أن المسيحيين المصريين، هم في واقع الحال "ضحايا" التطرف الذي قاد "الانقلاب الكنسي" في مطلع سبعينات القرن الماضي "العشرين"، على ما استقر في الكنيسة المصرية من "تشريعات مدنية" كانت أكثر وسطية واعتدالًا في الفصل بين المسيحيين.
وأعلم أن هذا التطرف "تحور" داخل حضانات الكنيسة، إلى "جين" أحال المسيحية كـ"دين" إلى "هوية" موازية لهوية الدولة الأم، وأحال بالتبعية العلاقة بين عنصري الأمة إلى "صراع هويات": مصر القبطية ومصر الإسلامية.
فضلًا عن "صراع الإرادات" بين "رأس الكنيسة" و"رأس الدولة" على ولاء المواطن المسيحي، وهو الصراع الذي أحرزت فيه الكنيسة بعض المكاسب النسبية، سواء على "مستوى الهوية" أو على صعيد "الولاء والبراء".

ففي الأولى شهد التمدد "الأسمنتي" للكنيسة في المشهد المعماري المصري تناميًا غير مسبوق، فيما باتت كنيسة ما بعد عام 1972م، هي مناط الولاء والبراء لغالبية مسيحي مصر!

وإذا كان ليس ثمَة مخاوف من "التضخم الخرساني" ـ غير المشروع ـ للكنيسة في الشارع المصري، باعتباره محض "تلوين" لبشرة المجتمع الخارجية، بمسحة نصرانية لافتة، فإن واقع الحال يظل أكبر بكثير مما تحلم به القيادات الدينية المسيحية المتطرفة، إلا أن تحول الكنيسة إلى "وطن بديل" للوطن الأكبر، وانتزاع رأسها لشرعية سياسية "عرفية"، بالخصم من الحقوق الدستورية لرئيس الدولة، ربما يكون ذلك هو الخطر الأكبر والحقيقي على وحدة البلاد وأمنها وسلامها الداخلي.

تحويل "المسيحية" إلى "هوية" بقصد استعادة مصر لهوية "قديمة" و"مقطوعة" و"مفترضة" وليس لها سند تاريخي، يعزز المزاعم بأنها كانت "الهوية الرسمية" لمصر قبل الفتح الإسلامي، لن يكون ـ يومًا ما ـ خطرًا على هوية مصر الحالية، التي تستقي شرعيتها من حقائق التاريخ والجغرافيا، والواقع الموضوعي وتضاريس الأوزان النسبية للخريطة الطائفية في مصر.

وإنما خطرها الحقيقي كان على "الكنيسة الوطنية" المصرية، وعلى عقيدتها الأساسية "الأرثوذكسية"، إذ كان التركيز على "الهوية المسيحية" خصمًا من "العقيدة الأرثوذكسية" ذاتها، والتي باتت تدافع عن وجودها بشق الأنفس، وتخسر كل يوم العشرات من أتباعها؛ بسبب انشغال رجال الدين الأرثوذكس بـ"المسيحية السياسية"، على حساب "الأرثوذكسية العقدية".

لقد فجَّر بابا كاتدرائية المقطم الأنبا "مكسيموس"، الهارب من الاضطهاد الديني الكنسي الرسمي في مصر، على قناة الجزيرة مفاجأة صادمة، عندما كشف أن نحو مليون و800 ألف قبطي تحولوا إلى أديان أخرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وهي الفترة التي استولى فيها المتطرفون الكنسيون على كل أدوات صوغ الرأي العام القبطي، ليسجل أهم شهادة إدانة للقيادة الكنسية الحالية وتحميلها مسئولية ضعف "العقيدة الأرثوذكسية" أمام إرساليات التبشير بالمسيحية الغربية الجديدة، وغيرها من الأديان الأخرى.

ما أريد قوله ـ هنا ـ أن "صراع الهويات" الذي تورطت فيه الكنيسة منذ أكثر من ثلاثين عامًا مضت، هي التي سددت فاتورته وحدها، خصمًا من رصيدها العقدي لصالح عقائد وأديان أخرى، فيما خلفت مرارات كبيرة بين عنصري الأمة، لا ندري متى وكيف يمكن تجاوزها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق